مُحَمَّـدٌ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم
حامد بن عبد الله العلي
المحمودُ اللهُ تَعَالىَ نَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاّ هُوَ، اللّهمَّ صلّ، وَسَلّمْ، وَبَارِكْ عَلَى نَبِيّكِ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ.
كَمَا خَتَمَ اللهُ تَعَالىَ الكَوْنَ بِأَفْضَـلَ مَا خَلَقَ فِيِهِ وَهُوَ الإِنْسَانُ، خَتَمَ النُّبَوّةَ التي هِيَ سـِرُّ سَعادَةِ الإِنْسـَانِ، بِأَفْضَلِها، وَهُوَ خَاتَمُ رُسُلِـهِ، وصَفْوَتِهِ مِنْ خَلْقِهِ، مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الرَّحمْـَةُ المُهْدَاةُ للعَالمَين، وَالنِّعْمَـةُ المُسْـداةُ للْخَلْـقِ أَجمْعَيِـن:
ولهذا جمع الله له الأنبياء فأمّهم في المسجد الأقصى، وعرج به، فرقى إلى السموات، متجاوزًا كلّ الرسل الكرام، حتى بلغ ذلك المقام، عنـد حجاب نور الله، فأسمعه ربه منـه الخطاب فصار كليم الله.
ويكفيه شرفــا، وفضْلا، رفعـهُ الله به على جميع الخـلق من الأولين والآخرين، هذه الآية التي هـي أعظـم مناقبـه، وأجـلّ فضائلـــه: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [سورة الحجر: 72].
قال القاضي عياض: "اتفق أهل التفسير في هذا أنه قسمٌ من الله جل جلاله، بمدة حياة محمد، وأصله ضمّ العين، من العُمر، ولكنها فُتحت لكثرة الإستعمال، ومعناه: وبقائك يا محمد، وقيل: وعيشك، وقيل: وحياتك.
وهذه نهاية التعظيم، وغاية البر والتشريف".
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "ما خلق الله تعالى، وما ذرأ، وما برأ نفسًا -أكرم عليه من محمد-، وما سمعت الله تعالى أقسم بحياة أحد غيره".
وقال أبو الجوزاء: "ما أقسم الله تعالى بحياة أحد غير محمد، لأنه أكرم البرية عنده" أ.هـ.
ولا عجب أن أقسم الله تعالى بحياته، وقد جمُعـت أوصاف هذه الحياة التي لم تشـرق على البشرية، أعظم بركة منها، جمُعـت من مأثـور ما ورد، فكانت هـي أوصاف ذروة الكمال الإنسانـي:
فكان صلى الله عليه وآله وسلم، أجود الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته: لم أر قبله، ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم، ليس بالجافي، ولا المهين، يعظم النعمة وإن دقت، لا يذم منها شيئا.
ولا تغضبه الدنيا، ولا ما كان لها، فإذا تعدي الحق لم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له، ولا يغضب لنفسه، ولا ينتصر لها، وإذا غضب أعرض وأشاح وإذا فرح غض طرفه.
يكرم كريم كلّ قوم، ويولّيه عليهم، ويحذر الناس من غير أن يطوي عن أحد منهم بشره، وخلقه، ويتفقد أصحابه، ويسأل الناس عمّا في الناس، ويحسّن الحسن ويقويه، ويقبّح القبيح، ويوهيه.
معتدل الأمر غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا، أو يميلوا، لكلّ حال عنده عتاد لا يقصر عن الحق، ولا يجاوزه، والذين يلونه من الناس خيارهم، أفضلهم عنده أعمهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة، أحسنهم مواساة، ومؤازرة.
لا يقوم ولا يجلس إلاّ على ذكر الله، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك، يعطي كلّ جلسائه بنصيبه، لا يحسب جليسه أنّ أحدا أكرم عليه منه، من جالسه، أو فاوضه في حاجة، صابره حتى يكون هو المنصرف عنه، ومن سأله حاجة لم يرده إلاّ بها، أو بميسور من القول، قد وسع الناس بسطه، وخلقة، فصار لهم أبــا، وصاروا عنده في الحق سواء.
مجلسه مجلس علم، وحلم، وحياء، وأمانة، وصبر، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن فيه الحرم، يتفاضلون فيه بالتقوى، متواضعين، يوقرون فيه الكبير، ويرحمون فيه الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة، ويحفظون الغريب.